فصل: ومن باب ربط الأسنان بالذهب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب الأخذ من الشارب:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد، عَن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: «الفطرة خمس أو خمس من الفطرة الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب».
قال الشيخ: معنى الفطرة هاهنا السنة والاستحداد حلق العانة بالحديد.
قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك، عَن أبي بكر بن نافع عن أبيه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحى».
قال الشيخ: إحفاء الشارب أن يؤخذ منه حتى يحفى ويرق، وقد يكون أيضًا معناه الاستقصاء في أخذه من قولك أحفيت في المسألة إذا استقصيت فيها وإعفاء اللحية توفيرها من قولك عفا النبت إذا طال ويقال عفا الشيء بمعنى كثر قال الله تعالى: {حتى عفوا} [الأعراف: 95] أي كثروا والله أعلم.

.ومن باب الخضاب:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح وأحمد بن سعيد الهمداني قالا: حَدَّثنا ابن وهب أخبرني ابن جريج، عَن أبي الزبير عن جابر قال: «أُتي بأبي قُحافة يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد».
قال الشيخ: الثغامة نبات له ثمر أبيض.
قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن سعيد الجريري عن عبد الله بن بريدة، عَن أبي الأسود الدؤلي، عَن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحسن ما غير به هذا الشيب الحناء والكتم».
قال الشيخ: يقال إن الكتم الوسمة ويشبه أن يكون إنما أراد به استعمال كل واحد منهما منفردًا عن غيره فإن الحناء إذا غل بالكتم جاء أسود، ويقال إن الكتم نوع آخر غير الوسمة.

.ومن باب الانتفاع بمداهن العاج:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن محمد بن جُحادة عن حميد الشامي عن سليمان المَنْبِهي عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «اشتر لفاطمة عليها السلام قلادة من عصْب وسوارين من عاج».
قال الشيخ: قال الأصمعي العاج الذبل وهو يقال عظم ظهر السلحفاة البحرية فأما العاج الذي تعرفه العامة فهو عظم أنياب الفيلة وهو ميتة لا يجوز استعماله والعصْب في هذا الحديث إن لم يكن هذه الثياب اليمانية فلست أدري ما هو وما أرى أن القلادة تكون منه.

.ومن باب خاتم الذهب:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا المعتمر قال: سمعت الركين بن الربيع يحدث عن القاسم بن حسان عن عبد الرحمن بن حرملة أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يقول: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره عشرة خلال. الصفرة، يَعني الخلوق وتغيير الشيب وجر الإزار والتختم بالذهب والتبرج بالزينة لغير محلها والضرب بالكعاب والرُّقى إلاّ بالمعوذات وعقد التمائم وعزل الماء لغير محله أو غير محله وفساد الصبي غير محرِّمه».
قال الشيخ: أما كراهية الخلوق فإنما هي للرجال خاصة دون النساء وتغيير الشيب إنما يكره بالسواد دون الحمرة والصفرة، والتختم بالذهب محرم على الرجال والتبرج للزينة لغير محلها وهو أن تتزين المرأة لغير زوجها، وأصل التبرج أن تظهر المرأة محاسنها للرجال، يقال تبرجت المرأة، ومنه قوله تبارك وتعالى: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} [الأحزاب: 33].
وأما عزل الماء لغير محله فقد سمعت في هذا الحديث عزل الماء عن محله وهو أن يعزل الرجل ماءه عن فرج المرأة وهو محل الماء، وإنما كره ذلك لأن فيه قطع النسل والمكروه منه ما كان من ذلك عن الحرائر بغير إذنهن، فأما المماليك فلا بأس بالعزل عنهن ولا إذن لهن مع أربابهن. وفساد الصبي هو أن يطأ المرأة المرضع فإذا حملت فسد لبنها وكان في ذلك فساد الصبي.
وقوله غير محرمه معناه أنه قد كره ذلك ولم يبلغ في الكراهة حد التحريم.

.ومن باب خاتم الحديد:

قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رِزمة المعنى، أن زيد بن الحباب أخبرهم عن عبد الله بن مسلم أبي طيبة السَّلمي المروزي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه «أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من شَبَه فقال: ما لي أجد منك ريح الأصنام فطرحه ثم جاء وعليه خاتم من حديد فقال ما لي أرى عليك حلية أهل النار فطرحه، فقال يا رسول الله من أي شيء أتخذه قال اتخذه من ورق ولا تتمه مثقالًا».
قال الشيخ: إنما قال في خاتم الشبه أجد منك ريح الأصنام لأن الأصنام كانت تتخذ من الشبه، وأما الحديد فقد قيل إنما كره ذلك من سهوكته وريحه ويقال معنى حلية أهل النار أنه زي بعض الكفار وهم أهل النار والله أعلم.
قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل حدثنا عاصم بن كليب، عَن أبي بردة عن علي كرم الله وجهه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لي قل اللهم اهدني وسددني واذكر بالهدي هداية الطريق، واذكر بالسداد تسديدك السهم، قال ونهاني أن أضع الخاتم في هذه أو هذه السبابة والوسطى شك عاصم ونهاني عن القَسِية والمِيثرة».
قال الشيخ: قوله: «واذكر بالهدى هداية الطريق» معناه أن سالك الطريق والفلاة إنما يؤم سمت الطريق ولا يكاد يفارق الجادة ولا يعدل عنها يمنة ويسرة خوفًا من الضلال وبذلك يصيب الهداية وينال السلامة يقول إذا سألت الله الهدى فاخطر بقلبك هداية الطريق وسل الله الهدى والاستقامة كما تتحراه في هداية الطريق إذا سلكتها.
وقوله: «واذكر بالسداد تسديدك السهم» معناه أن الرامي إذا رمى غرضًا سدد بالسهم نحو الغرض، ولم يعدل عنه يمينًا ولا شمالًا ليصيب الرمية فلا يطيش سهمه ولا يخفق سعيه يقول فاخطر المعنى بقلبك حين تسأل الله السداد ليكون ما تنويه من ذلك على شاكلة ما تستعمله في الرمي، وقد فسرنا القسية والميثرة فيما مضى من الكتاب.

.ومن باب ربط الأسنان بالذهب:

قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل ومحمد بن عبد الله الخزاعي المعني قالا: حَدَّثنا أبو الأشهب عن عبد الرحمن بن طرَفة «أن جده عَرْفجة بن أسعد قُطع أنفه يوم الكُلاب فاتخذ أنفًا من ورق فأنتن عليه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذ أنفًا من ذهب».
قال الشيخ: يوم الكلاب يوم معروف من أيام الجاهلية ووقعة مذكورة من وقائعهم، والورق مكسورة الراء الفضة، والورق بفتح الراء المال من الإبل والغنم.
وفيه إباحة استعمال اليسير من الذهب للرجال عند الضرورة كربط الأسنان به وما جرى مجراه مما لا يجري غيره فيه مجراه.

.ومن باب في الذهب للنساء:

قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان بن يزيد العطار حدثنا يحيى أن محمود بن عمرو الأنصاري حدثه أن أسماء بنت يزيد بن السكن حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما امرأة تقلدت قلادة من ذهب قلدت في عنقها قلادة مثله من النار يوم القيامة، وأيما امرأة جعلت في أذنها خرصًا من ذهب جعل الله في أذنها مثله من النار يوم القيامة».
قال الشيخ: الخرص الحلقة وهذا يتأول على وجهين: أحدهما أنه إنما قال ذلك في الزمان الأول، ثم نسخ وأبيح للنساء التحلي بالذهب، فقد ثبت «أنه صلى الله عليه وسلم قام على المنبر وفي إحدى يديه ذهب وفي الأخرى حرير، فقال هذان حرام على ذكور أمتي حلال لإناثها».
والوجه الآخر أن هذا الوعيد إنما جاء فيمن لا يؤدي زكاة الذهب دون من أداها والله أعلم.
قال أبو داود: حدثنا حميد بن مسعدة حدثنا إسماعيل حدثنا خالد عن ميمون القنَّاد، عَن أبي قلابة عن معاوية بن أبي سفيان «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ركوب النِّمار وعن لُبس الذهب إلاّ مقطعًا».
قال الشيخ: أراد بالمقطع الشيء اليسير نحو الشنف والخاتم للنساء وكره من ذلك الكثير الذي هو عادة أهل السرف وزينة أهل الخيلاء والكبر. واليسير هو ما لا يجب فيه الزكاة، ويشبه أن يكون إنما كره استعمال الكثير منه لأن صاحبه ربما ضن بإخراج الزكاة منه فيأثم ويحرج وليس جنس الذهب بمحرم عليهن كما حرم على الرجال قليله وكثيره.

.كتاب الطب:

.ومن باب الرجل يتداوى:

قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شَريك قال: «أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كأنما على رؤوسهم الطير فسلمت ثم قعدت فجاءت الأعراب من هاهنا وههنا، فقالوا يا رسول الله نتداوى قال تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد الهرم».
قال الشيخ: في الحديث إثبات الطب والعلاج وأن التداوي مباح غير مكروه كما ذهب إليه بعض الناس.
وفيه أنه جعل الهرم داء وإنما هو ضعف الكبر وليس من الأدواء التي هي أسقام عارضة للأبدان من قبل اختلاف الطبائع وتغير الأمزجة، وإنما شبهه بالداء لأنه جالب للتلف كالأدواء التي قد يتعقبها الموت والهلاك وهذا كقول النمر بن تولب:
ودعوت ربي بالسلامة جاهدًا ** ليصحني فإذا السلامة داء

يريد أن العمر لما طال به أداه إلى الهرم فصار بمنزلة المريض الذي قد أدنفه الداء وأضعف قواه وكقول حميد بن ثور الهذلي:
أرى بصري قد رابني بعد صحة ** وحسبك داء أن تصح وتسلما

وحدثني إبراهيم بن عبد الرحمن العنبري حدثنا ابن أبي قماش حدثنا ابن عائشة عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو لم يكن لابن آدم إلاّ السلامة والصحة لكان كفى بهما داء قاضيًا».

.ومن باب الكي:

قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا ثابت عن مطرف عن عمران بن حصين قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكي فاكتوينا فما أفلحنا ولا أنجحنا».
قال أبو داود: حدثنا موسى حدثنا حماد، عَن أبي الزبير عن جابر «أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن معاذ من رميته».
قال الشيخ: إنما كوى صلى الله عليه وسلم سعدا ليرقأ عن جرحه الدم وخاف عليه أن ينزف فيهلك والكي مستعمل في هذا الباب وهو من العلاج الذي تعرفه الخاصة وأكثر العامة والعرب تستعمل الكي كثيرًا فيما يعرض لها من الأدواء وتقول في أمثالها آخر الدواء الكي، وقال شاعرهم في ذلك وهو مما يتمثل به:
إذا كويت كية فأنضج ** تشف بها الداء ولا تُلهوج

فالكي داخل في جملة العلاج والتداوي المأذون فيه المذكور في حديث أسامة بن شريك الذي رويناه في الباب الأول.
وأما حديث عمران بن حصين في النهى عن الكي فقد يحتمل وجوهًا: أحدها أن يكون من أجل أنهم كانوا يعظمون أمره ويقولون آخر الدواء الكي ويرون أنه يحسم الداء ويبرئه وإذا لم يفعل ذلك عطب صاحبه وهلك فنهاهم عن ذلك إذا كان على هذا الوجه، وأباح لهم استعماله على معنى التوكل على الله سبحانه وطلب الشفاء والترجي للبرء بما يحدث الله عز وجل من صنعه فيه ويجلبه من الشفاء على أثره فيكون الكي والدواء سببًا لا علة، وهذا أمر قد تكثر فيه شكوك الناس وتخطئ فيه ظنونهم وأوهامهم فما أكثر ما تسمعهم يقولون لو أقام فلان بأرضه وبلده لم يهلك ولو شرب الدواء لم يسقم ونحو ذلك من تجريد إضافة الأمور إلى الأسباب وتعليق الحوادث بها دون تسليط القضاء عليها وتغليب المقادير فيها فتكون الأسباب أمارات لتلك الكوائن لا موجبات لها وقد بين الله جل جلاله ذلك في كتابه حيث قال: {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة} [النساء: 87] وقال تعالى حكاية عن الكفار: {وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غُزّى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم} [آل عمران: 156] الآية. وسلك الحكماء في هذا طريق الصواب وقيدوا كلامهم في مثله، قال أبو ذؤيب يذكر ابنًا له هلك يدعى نبيشة:
يقولون لي لو كان بالرمل لم يمت ** نبيشة والكهان يكذب قيلها

ولو أنني استودعته الشمس لارتقت ** إليه المنايا عينها ورسولها

يريد بالكهان الأطباء، والعرب تدعو الأطباء كهانًا وكل من يتعاطى علمًا مغيبًا فهو عندهم كاهن، وقال رؤبة في كلمة له:
ولو توقى لوقاه الواقي

ثم خشي أن يكون قد فوض فتداركه فقال على أثره:
وكيف يوقي ما الملاقى لاقى

ومثل هذا في كلامهم كثير وفيه وجه آخر وهو أن يكون معنى نهيه عن الكي هو أن يفعله احترازًا عن الداء قبل وقوع الضرورة ونزول البلية وذلك مكروه وإنما أبيح العلاج والتداوي عند وقوع الحاجة ودعاء الضرورة إليه، ألا ترى أنه إنما كوى سعدًا حين خاف عليه الهلاك من النزف.
وقد يحتمل أن يكون إنما نهى عمران خاصة عن الكي في علة بعينها لعلمه أنه لا ينجع، ألا تراه يقول فما أفلحنا ولا أنجحنا، وقد كان به الناصور فلعله إنما نهاه عن استعمال الكي في موضعه من البدن والعلاج إذا كان فيه الخطر العظيم كان محظورًا والكي في بعض الأعضاء يعظم خطره وليس كذلك في بعض الأعضاء فيشبه أن يكون النهي منصرفًا إلى النوع المخوف منه والله أعلم.

.ومن باب النُّشْرة:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق حدثنا عَقيل بن مَعقل قال: سمعت وهب بن منبه يحدث عن جابر بن عبد الله قال: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النشرة فقال: هو من عمل الشيطان».
قال الشيخ: النشرة ضرب من الرقية والعلاج يعالج به من كان يظن به مس الجن وقيل سميت نشرة لأنه ينشر بها عنه أي يحل عنه ما خامره من الداء.
وحدثني أبو محمد الكُراني حدثنا عبد الله بن شبيب حدثنا زكريا بن يحيى المنقري حدثنا الأصمعي حدثنا الحكم بن عطية عن الحسن قال: النشرة من السحر، قال وأنشدنا الأصمعي من قول جرير:
أدعوك دعوة ملهوف كأن به ** مسًا من الجن أو ريحًا من النشر